تفسـير القرآن الكريم : [ الـجنّ ]

المعنى اللغوي : إنّ كلمة [ الجـنّ ] تعني المخفي و الغير ظاهر ، قال تعالى ( فلـمّـا جـنّ عليه الليل ) الأنعام 76 ، أي : غطّاه الليل ، و منـه كلمة [ الجـنين ] و هو الطفل الغير ظاهر ، قال تعالى ( و إذْ أنتمْ أجِـنّة في بطون أمّهاتكم ) النجم 32 ، أمّـا كلمـة [ الجـانّ ] فتعني الحيّة الصغيرة لقولـه تعالى عن موسى عليه السلام ( فلـمّـا رآها تهتـزّ كأنّها جـانّ ) القصص 31 ، أمّا [ طاسـة الجـانّ ] فتعني [ طاسـة النحاس ] لأنّ [ الجـانّ ] هو نوعٌ من النحاس الفاخر تُصنع منه [ طاسـة] الحمّام ، فاعتقد الناس أنّ [ الجنّ ] يسـكنون في الحمّامات .
و الجـنّ : هم مخلوقات خفيّة غير مرئيّة ، و همْ أحدُ أشكال [ الطـاقة] لأنّهُم خُلقوا من نهـاية لهـب النـار أي [ نار السـموم] قال تعالى ( و الجـانّ خلقناه منْ قبْل من نـار السـموم ) الحجر 27 ، لذلك لهـم طبيعـة [ موجيّـة ] يتحرّكون بهـا ، بطريقة [ الدفْع النفّاث ] لقولـه عليه الصلاة و السلام ( إذا نوديَ للصلاة أدْبر الشيطان و لـه ضُـراط ) رواه البخاري و مسلم ، و عين الإنسان ترى فقط ضمن مجال ألوان الطيف السـبعة [ من الحمراء و حتّى البنفسجيّة ] فالجنّ يتحرّكون بحركة تردّداتها خارج هذا المجال ، فهم إمّا [ تحت الأشعة الحمراء ] أو [ فوق الأشعّة البنفسجيّة ]

و كبير الجنّ يُدعى [ عفريت ] قال تعالى ( قال عفريت من الجنّ ) النمل 39 ، و الشياطين هم الجانب الكافر من الجنّ ، و هـم [ إبليس ] و ذريّته فقط ، قال تعالى ( أفتّتخـذونه و ذريّتـه أوليـاء ) الكهف 50 ، و كبير الشـياطين يُدعى [ مارد ] قال تعالى ( و حفْظـاً منْ كلّ شـيطان مـارد ) الصافات 7 ،
و قد ارتبط ظهور الجنّ بقدوم الليل ، يقول [ الأعشى ] في معلّقتة :
و بـلدةٌ مثْل ظهـر الترْسِ موحشهٌ ..... للجنّ في الليل في ساحاتها زجلُ
و كان البابليّون القدماء يخافون هذه المخلوقات التي يتخيّلونها تسكن المقابر و الأماكن المهجورة ، و لا تزال هذه الخرافات و الأساطير تصول و تجول في مسـاحة كبرى في الفكْر الإنساني المتخلّف عقليّاً و علميّاً و ثقافيّاً ، فقد تخطّى [ شيْطان الجنّ ] إطاره الديني ، و تغلغل في الفكر الإنساني باعثاً الرعب و الرهبة في النفوس ، مع أنّ الله تعالى يقولها صـراحةُ ( إنّ كـيد الشيطان كان ضـعيفاً ) النساء 76 ، لأنّ سبب الخوف يأتي من الشيطان حصراً قال تعالى ( ذلكـم الشيطان يُخوّف أولـياءه ) آل عمران 175، و اللـه لا يُريد للناس إلاً [ الفـرح فقط ] قال تعالى ( قُل بفضْـل اللـه و برحـمته فبذلك فلـيفرحوا ) يونس 58

و إنّ [ إبليس ] الجنّ قـد دخل ضِمن مجموعة من الملائكـة يُريد تسبيح اللـه مثلهم ، و عندما أمـر اللـه الملائكة بالسـجود [ أي التحيّة ] لآدم عليه السلام ، نفّذ جميع الملائكة الأمر قال تعالى ( فسـجد الملائكة كلّهمْ أجمعـون ) الحجر 30 ، و قال تعالى ( إلاّ إبليس أبى ) البقرة 34 و كلمة [ أبى ] أي امتنع ذاتيّاً دون أيّ تأثير خارجيّ ، و كلمة [ إبليس ] في اللغة معناها [ اليائس ] من رحمة الله قال تعالى ( و يوم تقوم الساعة يُبلـس المجرمون ) الروم 12 ( فإذا هم مبلسون ) الأنعام 44 و قد كان الشيطان [ إبليس ] تفسـيراً سهلاً لكلّ مجهول ، فعندما أدخل الفرنسيون المطبعة إلى مصر مع حملة [ نابليون ] اعتبرها الناس أنّها [ حيلة من حيَل إبليس اللّعين ] ، و قد حوّل اليهود الملائكة إلى [ شياطين ] ثُمّ حوّلوا الشياطين إلى حـيّات ، و أنّ الحـيّة هي التي حملت إبليس في فمها و أدخلته إلى [ الجنّة ] لإغواء آدم عليه السلام، و في [ أعمال الرسل في العهد القديم الإصحاح 12 ] : [ إنّه التنّين الحيّـة القديمة المدعو إبليس الشيطان ] ، و هذه كلّها خرافاتٌ قديمة .
و يوجد في القرآن الكريم سورة خاصّة باسم [ سورة الجنّ ] رقمها / 72 / توضح أنّ [ الجـنّ ] أصنافٌ عديدة ، قال تعالى على لسانهم ( و أنّا منّـا الصالحـون و مـنّا دون ذلـك كـنّا طـرائق قِـدَداً ... و أنّا مـنّا المسلمون و مـنّا القاسـطون و أمّـا القاسـطون فكانوا لجهنّم حطـباً ) الجن 11

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire