تفسـير في سـورتيْ [ الكهف و يس ]

إنّ سورتيْ [ الكهف ] و [ يس ] همـا مِنْ أكثر السـور قـراءةً لـدى المسلمين ، لكن هناك موضوع مدهشٌ للغاية في السورتين ، هو : كيف تتحوّل [ القرية ] إلى [ مدينة ] في ذات الوقت ، و دون مـرور فتـرة زمنـيّة ، حيثُ نجـد في سـورة الكهف ( حتّى إذا أتَيـا أهْل قـريةٍ اسـتطعمـا أهلـها فأبَـوْا أنْ يُضَـيّّفوهمَـا فـوجـد فيهـا جـداراً يُـريد أنْ يَنْقضّّ فأقامَـه .... و أمّـا الجـدار فكان لِغًـلامَيْن يتيميْن في المدينة ) سورة الكهف الآيات 77 / 81
و ذات الموضوع ورَدَ في سورة يس : ( و اضْربْ لـهم مثـلاُ أصـحاب القـرية إذْ جاءها المرسلون ..... و جـاء منْ أقصـا المـدينة رجلٌ يسـعى ) سورة يس الآيات 13 / 20

فكيف انقلبت [ القـرية ] إلى [ مـدينة ] ببـلاغةٍ مـدهشـة ؟ !

اعتمد القرآن الكريم على [ طبيعة السكّان ] في مسمّياته للتجمعّات السكّانيّة ، فإذا كان المجتع [ مُتّّـفقاً ] على فِكْرة واحدة أو مِهنةٍ واحدة ، عِندها أسـماه القرآن [ قـرية ] ، و نحن حتّى الآن نقول مثلاُ : القرية السياحيّة ، القرية الرياضيّة ..
و نعود إلى سورة الكهف : فعندما اتّفق المجتمع على [ البُخْل ] عندها أسـماه القرآن الكريم [ قرية ] ،و في سورة يس عندمـا اتّفقوا على الكُفْر أسماها أيضاً [ قرية ] . و مثالُ آخر : عندما اتّفق قوم [ لـوط ] عليه السلام على معصية واحدة قال تعالى :
( و نجّـيناه من القـرية التي كانت تعْمل الخبائث ) الأنبياء آية 74 .

و عِندمـا يُطلق القرآن الكريم مُسمّى [ مـدينة ] يكون المجتمع فيه الخـير و فيه الشـرّ ،أو يكون سـكّانه [ أعـداءُ ] مع بعضهم ، و الدليل على ذلك أنّ القرآن الكريم أطلق على [ يثرب ] اسم : [ مدينة ] ، و أضاف السلمون كلمَة [ مُنـوّرة ] ، لوجود منافقين و صحابة بنفس المجتمع ، فقال تعالى ( و من أهل المـدينة مـردوا على النفاق ) سورة التوبة آية 101 ، لذلك لم يردْ في القرآن الكريم أنّ الله سبحانه قد أهلك [ مـدينة ] ، بل يُهلك القرى الكافرة تماماً أي عندما يعمّ الكُفر في المجتمع .
نعـود لسـورة الكهف : عِندمـا أضـاف [ العبد الصالح ] ، أضاف الولدين [ الصالحَين ] إلى المجتمع البخيل [ الفاسد ] ، أصبح المجتمع [ مـدينة ] و لم يعُـدْ [ قـرية ] ، و كذلك في سورة يس ، عندمـا أسـلم أحـد الأشخاص ، أصبحت [ القرية ] الكافرة [ مـدينة ] فيها الكفر و فيها الإيمـان ، لذلك قلب القرآن الكريم التسمية فوراً و بذات الحَدَث منْ [ قرية ] إلى [ مدينة ] ، و من روعة البلاغة في القرآن الكريم ، أنّ القارىْ لا ينتبه أنّ [ القرية ]قـد أصبحت [ مدينة ] أرجو من الأخوة الكرام العودة إلى سورتيْ الكهف و يس ، و الانتباه لهذا الموضوع المدهش كلّ هـذا و الله أعـلم

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire